يشهد عالمنا طفرة غير مسبوقة في مجال التقنيات المتنقلة التي أصبحت بمثابة نمط حياة لتوفرها على مدار الساعة “دون توقف” مما زاد من طلب الموظفين الدائم على الوصول إلى البيانات من أي جهاز في كل مكان وزمان، وأصبحت هذه الميزة الفريدة التي منحت الموظفين فرصة تحسين إنتاجيتهم وزيادة حجم التعاون فيما بينهم مفتاحًا لتعزيز روح المنافسة في قطاع الأعمال الحديث، على الرغم مما تخلفه من ضغوط هائلة على أقسام تقنية المعلومات لضمان أمن البيانات الحساسة للشركة.
يقع على عاتق قسم تقنية المعلومات أخذ زمام المبادرة عندما يتعلق الأمر بتزويد الموظفين بإمكانية الوصول إلى معلومات الشركة في حال تواجدهم خارجها، وذلك نظرًا للصعوبة الشديدة لاستعادة إمكانية فرض السيطرة والتحكم إذا فُقدت، وكل ذلك سيصب في المطاف في صالح المؤسسة، حيث ستصبح أكثر إنتاجية وتنظيمًا وكفاءة، ومع ذلك فهذا لا يغني عن وضع سياسات استخدام شاملة لحماية الموظف وصاحب العمل على حد سواء.
وجدير بالذكر أنه على الرغم من ضرورة وجود أدوات مثل إدارة الأجهزة المحمولة (MDM) وإدارة الوصول أثناء التنقل (MAM) لحماية البيانات، فإن النجاح الحقيقي لن يتأتى إلا من خلال تطبيق إستراتيجية حلول متنقلة شاملة ومترابطة تغطي إدارة الأجهزة وبيانات المستخدمين والمحتوى والتطبيقات لتقديم تجربة فريدة للمستخدم.
ونظرًا للأهمية المتزايدة للقوة العاملة المتنقلة، فإنه يُتوقع بطبيعة الحالة زيادة حجم الإنفاق على منتجات ومشروعات الحلول المتنقلة. ومن جانبها، تنبأت شركة IDC بتخصيص الشركات حوالي 40% من ميزانية تقنية المعلومات على مدار السنوات القادمة للأجهزة والبرمجيات والخدمات المهنية التي تدعم مبادرات الحلول المتنقلة بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ونتيجة لذلك، فإن عدد تطبيقات الشركات القابلة للتثبيت على الأجهزة المحمولة سيتضاعف أربع مرات بحلول عام 2018، ولن يكون لحوالي 60% منها إصدارات مماثلة متوافقة مع أجهزة الكمبيوتر الشخصية.
ولدى تطوير هذه التطبيقات، تحث IDC المؤسسات على التركيز على تحديد وظائف سير العمل المخصص الذي يحسّن من عمليات أعمال محددة. إن اعتماد هذا النهج داخل المؤسسة سيزيد من قدرتها على اتخاذ القرارات الاستراتيجية سريعًا. يتعين على هذه الشركات أيضًا أن تأخذ الاستثمار في أدوات التطوير عبر المنصات والاتصالات على الخادم الملائمة للأجهزة المحمولة بعين الاعتبار لما لذلك من تأثير على تطوير الحلول المتنقلة ذات الصلة بدعم العمليات الحالية وتحويلها.
باتت هذه المبادرات تؤتي ثمارها، حيث ستسعى المزيد من الشركات إلى تطوير الحلول المتنقلة الفعالة إما لصالحها أو أنها ستعمل على تخصيص بعض التطبيقات الحالية لتلبي احتياجاتها. ستعود بنا هذه النقطة مرة أخرى إلى قضية السيطرة والتحكم. وفيما يتعلق بالمؤسسات الكبرى، سيكون من المستحسن تأسيس مركز امتياز للحلول المتنقلة (MCoE) في هذه النقطة خاصةً للحاق بركب التطور الهائل الذي تشهده الحلول المتنقلة.
وفي ضوء هذا السيناريو، ستوكّل إلى مركز امتياز الحلول المتنقلة مهمة تجميع كافة طلبات الأعمال بمكان واحد، وتحديد أفضل خيارات الإمداد، بالإضافة إلى دمج وإدارة توفير طلبات تطبيقات الحلول المتنقلة من جميع قطاعات الأعمال. بعبارة أخرى، يتيح هذا النهج العديد من الميزات لجعل المؤسسة أكثر كفاءة وإنتاجية وأمانًا نظرًا لدوره الفعال في تخفيض حجم الجهد والتكاليف وضمان تطبيق نظرة عالمية للوضع الأمني، فضلاً عن تمكين تقييم تأثير تطبيقات الأجهزة المحمولة وإحكام السيطرة عليها بطريقة شاملة.
وفي ضوء ما تناولناه مسبقًا، يثير هذا الانتشار السريع للحلول المتنقلة بعض المخاوف الأمنية الخطيرة، وتتوقع IDC أنه على مدار العامين القادمين ستكون السياسات الأمنية والاستراتيجيات الإدارية لدى ربع الشركات غير فعالة، فهذا ما أكدته الاستطلاعات التي أجريناها في دول الشرق الأوسط وأفريقيا، وأظهرت أن فقط 27% من الشركات في المنطقة طبقت بالفعل إطار عمل لسياسة تهدف إلى تمكين تقنيات الاتصالات المتنقلة بالشركات، ولذلك توجد فرصة عظيمة للتحسن في هذا الصدد.
ومما لا شك وجود إمكانية لحدوث بعض الاختراقات الأمنية بسبب ضياع الأجهزة أو سرقتها، أو نتيجة القيام ببعض الأنشطة الخبيثة، أو حتى بعد تخطي بيانات الشركة حدود التطبيقات السحابية للمستهلك. وإذا لم يكن الأمر مرهقًا إلى هذا الحد، فإن عملية التحول الرقمي تتطلب توفير أدوات تعاونية محسّنة للمستخدمين يمكن من خلالها استخراج أقصى قيمة للأعمال من الحلول المتنقلة، وهو ما يجعل تطبيقات الشركات أكثر عرضة لفقدان البيانات أو اختراقها.
لذلك، ما الإجراءات التي يجب اتخاذها للتقليل من حجم المخاطر؟ يتناول الشق الأول وضع السياسات التي تنص على اختيارات الأجهزة وحقوق الوصول إلى المعلومات والحاجة إلى التثقيف المستمر للمستخدم، هذا بالإضافة إلى ضرورة توحيد قسم تقنية المعلومات (أو مركز امتياز الحلول المتنقلة) لمعايير المنصات واعتمادها لتوفير الأدوات اللازمة لتطوير التطبيقات. ويجب أيضًا أن تلبي المتطلبات الأمنية للتطبيقات الحاجة إلى إجراء الاختبار الرسمي لقابلية الاستخدام، علاوةً على أهمية أن تصبح مستساغة لجميع الأطراف المعنية. وبمجرد اعتماد نشرها، ينبغي أن تشتمل الحلول المتنقلة على متطلبات الدعم وإدراجها ضمن كتالوج الخدمات الحالية الذي يتماشى مع إطار عمل إدارة خدمات المؤسسة.
وختامًا تجدر الإشارة إلى الدور الحيوي الذي تلعبه تقنيات الاتصالات المتنقلة بالشركات فيما يخص تسهيل التحول الرقمي للشركات من خلال تمديد وظائف المؤسسة عبر التطبيقات الجديدة أو الحالية المصممة خصيصًا للتشغيل على الأجهزة المحمولة. وعلى الرغم من ذلك، يتعين أن تجرى جميع هذه الممارسات بعناية تامة في ظل احتفاظ تقنية المعلومات بعنصري التحكم والسيطرة وضمان أن جميع عمليات التنفيذ تتماشى مع احتياجات الشركات الأكبر حجمًا. وبناءً عليه، يتعين أن تحتل الحلول المتنقلة رأس قائمة أولويات جميع المسؤولين التنفيذيين بأقسام تقنية المعلومات الذين يحاولون دخول عصر جديد مليء بالابتكارات في هذا العالم الذي يشهد تطورات غير معهودة.
لا يوجد تعليقات
أضف تعليق